لاديسلاو جوزيف بيرو.. الصحفي الذي قادته مهنته لاختراع قلم الحبر الجاف “بيك”

وطني

لاديسلاو جوزيف بيرو، صحفي ومخترع من هنغاريا (المجر)، ولد فيها عام 1899، كان معروفا في الأرجنتين باسم “لازلو جوزيف بيرو”، ابتكر 32 اختراعا، من أبرزها قلم الحبر الجاف، الذي منحه شهرة عالمية، وتوفي في الأرجنتين عام 1985.

عرض أول نسخة للقلم الجاف في معرض بودابست الدولي عام 1931، وحصل على أول براءة اختراع عن هذا القلم في باريس عام 1938، ثم في الأرجنتين عام 1940، ثم براءة اختراع أميركية عام 1943، عن قلمه “بيروم” (Birom) ذي الرأس الكروي الذي تم ترخيصه من القوات الجوية البريطانية والأميركية، واكتسب نجاحا بالاسم التجاري الجديد “بيك” (Bic)، وكان أكثر الأقلام مبيعا في العالم على الإطلاق.

تحول قلم “بيك” إلى رمز تم عرضه في “متحف الفن الحديث” في نيويورك، وفي “مركز بومبيدو” في باريس، واكتسب شهرة واسعة أكثر من اسم مخترعه الأصلي.

المولد والنشأة

ولد لاديسلاو جوزيف بيرو يوم 29 سبتمبر/أيلول عام 1899 في بودابست عاصمة المجر (هنغاريا)، لعائلة من أصول يهودية، كان والده “موزيس” طبيب أسنان وله أخ يدعى “جورج”.

أثناء الحرب العالمية الثانية ترك بيرو أسرته وغادر رفقة شقيقه إلى باريس ثم الأرجنتين، وحمل معه خططه واختراعاته، قبل سريان قانون حظر تصدير الملكية الفكرية عام 1938.

اضطرّ إلى دفع مبالغ طائلة لإخراج زوجته وابنته من المجر، لتستقر العائلة بعد ذلك في “بوينس آيرس” عاصمة الأرجنتين، وكان سبب اختياره هذه الوجهة، أن الرئيس الأرجنتيني أوغستين بيدرو خوستو التقاه عام 1938 صدفة في يوغوسلافيا (بينما كان يعمل صحفيا) وشجعه على أن اختراعه في الأرجنتين سيوفر له إمكانيات كبيرة ليتم تصنيعه على نطاق واسع.

ومنذ عام 1932، تعاون مع العديد من المجلات والصحف، فعمل كاتبا ومحررا لجريدة تسمى “هنغاريا المجر” (Hongrie-Magyarország).

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى بيرو تعليمه الثانوي في مدرسة “ماركو ستريت” الثانوية في بودابست عام 1917، ثم انتسب إلى الكلية الطبية في جامعة “سيميلويس” العريقة، ولم يكمل دراسته هناك، إذ كانت الثورة المجرية عام 1848 قد تحولت إلى حرب من أجل الاستقلال، فأثرت على هيئة التدريس التي هاجر بعض أفرادها، وسجن آخرون.

أبدى بيرو منذ صغره شغفا واهتماما بالرسم والنحت والابتكار، وكان يظل حبيس غرفته ويصنع أشياء مختلفة، ففي الـ17 من عمره اخترع غسالة دون محرك.

مصدر الإلهام

كان بيرو صحفيا نشيطا وذكيا، وكان يتردد على المطابع بحكم أعماله الصحفية، فانتبه ذات يوم لسرعة جفاف الحبر الذي تستعمله المطابع، وراح يفكر في كيفية استعمال مثل ذلك الحبر في أقلام الكتابة.

وبالاعتماد جزئيا على تصميم أوليّ استطاع الحصول على براءة اختراع إسبانية من قبل شركة “وينيل كلايمز” (Wencel Climes)، وعند تجربته الأولى في الكتابة، لم يتدفق الحبر إلى رأس القلم بسبب لزوجته العالية، فقام بتركيب كرة في رأسه، وأثناء تحرك القلم على طول الورقة، استدارت الكرة لتلتقط الحبر من الخرطوشة وتتركه على الورق.

كانت الكرة التي احتوت أول قلم حبر جاف كبيرة، فاستخدم في بداياته لوضع علامات على صناديق البضائع، فقام بتقليص حجم الكرة في وقت لاحق، بحيث يمكن استعماله للكتابة، وقدم أقلامه لأول مرة في معرض بودابست الدولي عام 1931.

واستمر بيرو في محاولاته في ورش عمل تابعة لشركة “غوي” (Goy)، وساعده شقيقه جورج (كان صيدلانيا وذا اهتمام بالكيمياء)، في تطوير حبر بلزوجة مناسبة، وسجل بتلك الفكرة براءة اختراع لأول مرة في باريس في 25 أبريل/نيسان عام 1938، وأطلق عليه “غوبن” (Gopen)، وفي عام 1939 تم شراء الاختراع من قبل مصنع ألماني، لكنه لم يلقَ نجاحا تجاريا آنذاك.

قلم “بيرو”

استمر بيرو في التجارب عندما هاجر إلى الأرجنتين عام 1939، لكي يقدم قلم حبر بشكل جيد، وتمكن من تصنيع محامل كروية دقيقة الصنع، وفي عام 1940 حصل على براءة اختراع ثانية لقلم الحبر برقمي 512 و218 في الأرجنتين.

وأنشأ مع شقيقه جورج شركة “بيرو مين” (Biro Meyne) في العاصمة بوينس آيرس، وتم تسويق أول النماذج التجارية لأقلام “بيرو” في الأرجنتين، لكنها فشلت في استقطاب اهتمام السوق، فقرر بيع حقوق اختراعه لأحد مموليه، وهي شركة سويدية تمكنت من إنتاجه وفقا للمعايير المطلوبة تحت اسم “إتر بين” (Eterpen).

قلم “بيروم”

بعد ذلك، عمل بيرو على إدخال تحسينات أخرى على القلم الجاف، فنجح في تطوير تصميم جديد من قلم الحبر يحتوي على كرة صغيرة من المعدن، في مرآب يعمل فيه 40 عاملا وبميزانية منخفضة، وكان مبدأ هذا القلم، أن تدور الكرة في طرف القلم فتبتل بالحبر الآتي من الأنبوبة، وتنقله عند دورانها إلى الورق، وكان هذا التصميم المبتكر ناجحا وعمليا.

وفي 10 يوليو/تموز عام 1943، قدم بيرو وشقيقه جورج وصديقهما “خوان خورخي مان”، براءة اختراع أميركية لقلم برأس كروي أطلق في السوق تحت الاسم التجاري “بيروم” (Birom).

وكلمة “بيروم” مكونة من شقين يعبر الأول “بيرو” عن الأخوين بيرو، و”مين” عن شريكهما خوان مين، ودخل الاسم في القواميس الإسبانية، ويسمى القلم في العديد من الدول الأوربية “بيروم” (Biromé) وفي الأرجنتين باسم “بيروس” (biros)،  وظل المصطلح دلالة على القلم الجاف حتى الآن، وتم التسويق له بجملة تجارية تقول “القلم الذي يكتب حتى تحت الماء”.

لم يجنِ بيرو مردودا ماليا كبيرا من اختراعه، وواجه اتهامات نعتته بأنه تسبب في تراجع خط اليد الرسمي، بينما اعتبر بائعو الكتب أن أقلام الحبر هذه كانت رخيصة جدا فلا يمكن بيعها كأداة عمل إنما كلعب أطفال.

وقال بيرو لاحقا في مقابلته الأخيرة قبل وفاته “لقد تركت لعبتي 36 مليون دولار في الخزينة الأرجنتينية، وهي أموال جنتها الدولة من بيع منتجات ليست من الأرض بل من الدماغ”، حيث كان قد حصل على الجنسية الأرجنتينية في تلك الفترة.

شهرة عالمية

اشترت الحكومة البريطانية حقوق الترخيص لتصميم قلم “بيروم” تحت اسم “بول بوينت” (Ball point)، حيث استعمله طاقم سلاح الجو الملكي البريطاني لأن حبره لا يتسرب عند ارتفاع الطائرات المقاتلة على عكس قلم الحبر السائل.

وبعد ذلك، تم ترخيصه لسلاح جو القوات الجوية الأميركية تحت “إيفر شارب فابر” (Eversharp Faber) مقابل مبلغ ضخم قدره مليونا دولار أميركي.

وكان هذا الابتكار قد حصد نجاحا متواضعا، إذ إن عددا قليلا من المنظمات الأميركية دفعت المال مقابل شراء حقوق براءة اختراع قلم الحبر الجاف، لكنه فيما بعد حصد شهرة عالمية، وبشكل خاص في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية، ثم تم تسويقه لأول مرة في الأرجنتين تحت اسم “إتر بين” (Eterpen)، ثم في فرنسا باسم “كرايون بيرو” (Crayon Biro).

اسم جديد ومبيعات خيالية

في عام 1945، اشترى المصنّع الفرنسي “مارسيل بيك” حقوق براءة اختراع قلم الحبر الجاف من بيرو وأعلن عن قلم الحبر الجاف في ديسمبر/كانون الأول 1950، وسماه “بيك” (Bic) اختصارا لاسمه وتسهيلا للفظه، وتميز القلم بأنه عملي ورخيص.

وأصبح “بيروم” الصحفي المخترع، هو المنتج الرئيسي لشركة “مارسيل بيك” وشريكه “إدوار بوفار” في كليشي إحدى ضواحي شمال باريس، وبدأ بيروم العمل على صناعة أجزاء أقلام الحبر وأقلام الرصاص.

وذكر “بيك” أن مبيعاته فاقت كل ما كان يتصوره، إذ كانت تتجاوز 22 مليون سلعة من الأقلام في اليوم الواحد، واستطاع بيع 20 ألف حزمة سنويا، وفي أقل من عامين، أصبحت “بيك” الشركة المصنعة الرائدة في العالم.

تم بيع أكثر من 100 مليار قلم في 5 قارات منذ عام 1950، وقال المؤرخ المتخصص بالماركات والسلع جان واتان أوغار “إنه أكثر من سلعة، إنه أسطورة تروي تطور مجتمع”.

في مطلع عام 1951، بدأت الشركة توزع في فرنسا واستطاعت بيع 10 آلاف قلم في اليوم الأول اعتبارا من السنة الأولى، وكان استخدامه حصريا لتلاميذ المدارس حتى عام 1965.

ثم غزا القلم الأسواق الخارجية لبلجيكا عام 1951 وإيطاليا عام 1954 والبرازيل عام 1956 وبريطانيا وجنوب أفريقيا وأوقيانيا (أوقيانوسيا) عام 1957 ثم أميركا الشمالية عام 1958.

وتؤكد الشركة أن هذه الأقلام توزع في أكثر من 160 دولة، حيث تباع عدة ملايين منها يوميا في 3 ملايين نقطة بيع في العالم.

واجهت شركة “بيك” دعوى قضائية بالسرقة الأدبية من شركة “بيرو”، لكن تمت تسويتها عن طريق صفقة مالية، ثم اشترت شركة “بيك” شركة “بيرو” عام 1958، لتصبح الشركة الرائدة عالميا في بيع أقلام الحبر.

ونسي العالم اسم “بيرو” بعد أن طغى اسم “بيك”، باستثناء بعض الدول مثل أستراليا والمملكة المتحدة وكندا ونيوزيلندا التي ما زالت تستعمل اسم “بيروم” للدلالة على القلم الجاف.

أفكار سبقت قلم “بيك”

في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1945، اصطف أكثر من 5 آلاف من سكان مدينة نيويورك أمام متجر “غيمبل” (Gimbels) الذين كانوا مستعدين لدفع مبلغ 12.50 دولارا أميركيا مقابل شراء قلم الحبر الجاف “بيك”، ولم تكن الجموع تعرف أن هذه الأقلام كانت مقتبسة من فكرة مسجلة ببراءة اختراع، والتي لم تكن هي أيضا بحد ذاتها جديدة وتوارت كلها وأصبحت في طي النسيان كمصير أصحابها.

  • في عام 953م بعهد المعز الخليفة الفاطمي في مصر ذكر اختراع قلم يحمل خزانا للحبر لأول مرة في التاريخ وقيل إنه قلم لا يلطخ اليدين أو الثياب، وينساب من الخزان على ريشة في طرف القلم، ووصف بأنه “الجد الأول” لقلم الحبر المصري.
  • في عام 1636، اخترع الألماني “دانيال شفنتر” قلما كان مصنوعا من أنبوبتين.
  • في عام 1809، حصل البريطاني “برثولوميوفولش” على براءة اختراع قلم بخزان حبر.
  • في عام 1827 منحت الحكومة الفرنسية براءة اختراع ورخصة إنتاج إلى طالب روماني في باريس اسمه “بتراتشي بونارو”.
  • في عام 1867، صدرت في أميركا براءة اختراع قلم الحبر باسم “كلاين” و”هنري دبليو واين”، لكنه قلم يكتب بحبر ملحق في خزان.
  • في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1888، كان دباغ جلود أميركي يدعى “جولان لاود” قد سجل براءة اختراع قلم استعمل لوضع الحبر السميك على الجلود المدبوغة.
  • في عام 1907، ابتكر “سلافوليوب إدوارد بنكالا” المهندس الكرواتي قلم حبر جاف وأنشأ لصناعتها شركة “بنكالا موستر” مع مقاول يدعى “إدموند موستر” وكان المصنع من أكبر مصانع الأقلام في العالم في زمانه، ولا تزال الشركة تعمل تحت اسم “توز-بنكالا” لحساب شركة أقلام “زغرب”.

اختراعات أخرى

طوّر بيرو طوال حياته العديد من الاختراعات الأخرى، أهمها:

  • زجاجة عطر.
  • مزيل للعرق.
  • قلم حبر موديل عام 1928.
  • آلة غسيل (يقال إنه صنعها لزوجته إلسا شيك).
  • علبة أوتوماتيكية ميكانيكية لتغيير السرعة في السيارات عام 1932، وحصلت شركة جنرال موتورز على براءة اختراعها وكانت في نفس الوقت تطور علبة هيدروليكية مماثلة.
  • المصور الحراري السريري عام 1943.
  • عملية لتحسين قوة قضبان الصلب عام 1944.
  • جهاز للحصول على الطاقة من أمواج البحر عام 1958.

الوفاة

توفي لاديسلاو جوزيف بيرو عن عمر يناهز 86 عاما، يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول عام 1985 في بوينس آيرس، ووزعت الأرجنتين حينها سلسلة من الطوابع مع صورته تكريما لذكراه، وما زالت تحتفل بمولده عيدا لكل المخترعين في الأرجنتين في 29 سبتمبر/أيلول من كل عام.

وكانت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” كتبت عن وفاته “ترك إرثا في كل جيب قميص، وكلمة مجرية ولدت في القواميس الإسبانية (البيروم)”.

 

 

aljazeera

pixabay

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *